خلق الله الإنسان و أكرمه و أحسن خلقه فجعل منه الذكر و الأنثى , الطويل و القصير الأبيض و الأسود .. و أعطاه العقل الذي يميز به الطيب و يترك من خلاله الخبث و سبله ..
إلا أن ثلة من الناس لم يعجبهم خلق الله لهم على هذه الصورة , و طغوا و تجبروا و كل منهم يبرز اعتراضه بشكل مختلف يلبي فيه نزعة الرضا عن النفس عن طريق التصنع و ترك الطبيعة الإلهية التي جعله الله تعالى عليها ..
لا أريد التكلم عن التشبه بالآخرين ؛ المتشبهين من النساء بالرجال أو الرجال المتشبهين بالنساء ؛ بل الحديث عن تقمص شخص لشخصية أخرى و حمل صفاتها مع يقينه بخلوه من حمله هذه الصفات في ذاته , و علمه التام أنه يخدع نفسه و الآخرين .. و في النتيجة هو لا يخدع إلا نفسه .
التقمص
ظاهرة مؤلمة عششت في قلوب شبابنا و فتياتنا و أعمتهم عن الحق و الصدع به و تركتهم في دائرة مفرغة يدورون حول أنفسهم دون الوصول إلى نتيجة مرتجاة ..
فنرى أن الشاب يظهر نفسه بصورة الرجل الشجاع و المقدام الذي لا يهاب والذي لا يقهر ..
و آخر يظهر كالمسكين يرتجي الشفقة من الآخرين
و أخرى تظهر نفسها بالآنسة وهي متزوجة ..
و أخرى تظهر نفسها بالجميلة الحليمة وهي تحمل العكس
ما أريد الوصول إليه هو التقمص المتعلق بالمظهر و الصورة التي يريد الشخص أن يتصورها عنه الآخرون
فكم من شخص صور لنا أموراً أو تصورنا أنه أمير عصره و تلك ملكة أوانها وهم لا يسوون في ميزان الله مثقال ذرة .. بل هم من المغضوب عليهم ..
سلوكيات كثيرة طغت على حياة الأشخاص صدعت بذلك شخصيتهم الحقيقية التي يجب على كل إنسان دفعها إلى الأفضل حقيقةً لا تمثيلاً .. فهو يعيش في الواقع و عاجلاً أم آجلاً ستفضحه الحياة ... و عندما يكتشف الآخرون جهله بعد ادعاءه العلم .. وكذبه بعد تمثيله للصدق ..و عدوانه بعد ظهوره كالصديق الحميم ..
ما هي الأسباب التي تدفع الشخص إلى تقمص شخصية غيره ؟علينا أن نفرق أولاً بين القدوة و الإقتداء , و بين التقمص و الخديعة .. فالإنسان القدوة دائماً حسن السلوك و من الملاحظ أن لفظ القدوة خطأً يطلق على إتباع السلوكيات الحسنة و السيئة و لكن الحقيقة أن القدوة فقط تطلق على السلوكيات الحسنة و الدليل آيات القرآن الكريم التي دعت إلى إتباع القدوة ..
أما التقمص فقد يكون تقمص حسن و سيء و لكن لا يجتمع النقيضين فالشخص التائه في معرفة ذاته قد يكون حسن السلوك إلا أن جهله بمكنونات نفسه تدفع به في طريق التقمص و التمثيل و البعد عن الواقعية .. و اللجوء إلى المثالية .. أو إلى الشر البحت .
و من أسباب التقمص للشخصيات عدم الرضا عن الذات .
و الطمع في تحقيق تقدم الذات دون تعب ؛ فنراه يسلب شخصية غيره مدعياً أنه هو .
و قد تكون الأسباب مرضية نفسية من خلال الشعور بالنقص و استحقار الذات .
أ- التقليد الأعمى للغير و السير على طريق بلا هاد يدله سبل الرشاد .
انشغال راع الشخص عن تحقيق متطلباته مما يضطره إلى اللجوء لتقمص شخصية الأب أو الأخ الكبير أو الطفل الصغير أو المريض ليجذب لنفسه انتباه الآخرين ..
السلوك العدواني أيضاً سبب في هذه الحالة و هذا السلوك المقتبس من خلال و سائل الإعلام الهادم ..
نتائج سلبية يحققها هذا التقمصكل شيء خارج عن الطبيعة المألوفة للإنسان يؤثر سلباً في الفرد و الذي يظهر مع كثرة حالاته في المجتمع فنرى مجتمع سلبي و عدواني مخادع لا هم له سوى تحقيق غايات شخصية دون التلفت إلى المصلحة العامة ..
ومن السلبيات انتشار ظاهرة عدم الثقة بالآخرين " كونهم عبارة عن ممثلين " أو شخصيات غير واقعية .
و أيضاً تورث الضبابية في السلوك فنرى تضارب في أفكار الشخص تجلعه غير متوازن دائماً يقف في كفة واحدة و قد تكون هذه الكفة هي الكفة الأقل و زناً .
العلاجلا علاج سريع لهذه الظاهرة .. إلا أن الإنسان مأمور بالتحلي بالتقوى و حسن الخلق و الصدق في القول و العمل لذلك على الإنسان أن يعمل على شخصيته و ان يصقلها بالروحانيات و الأخلاق الكريمة ..
و لا نغفل دور التربية ؛ فهي ابتداءً رأس كل نجاح و رأس كل فساد كما الغرسة فإما أن تزرع جيداً فتخرج مستقيمة و إما أن تترك من غير تقويم فتنمو على غير هدى مما يضطر إلى بترها أو تكسر أجزاء منها .
و لابد للإعلام الهادف أن يطغى على الإعلام الهادم و أن يجد السبيل لجذب الشباب إليه و سد طرق الشيطان و أبواقه المرفوعة دائماً و المسموع صوتها عبر و سائل الإعلام الهادم .. و الذي له الحظ الأوفر من الدعم المادي و المعنوي .. على خلاف الإعلام الصاعد الذي من شأنه أن يرقى بالشباب و يعطيهم قدوة حسنة كعمر و الصديق رضي الله عنهما و قادة كصلاح الدين و محمد الفاتح و خالد بن الوليد ..