تحملنا الحياة من مكان الى مكان وتنتقل بنا التقادير من محيط الى آخر ونحن
لا نرى الا ما وقف عثره في سبيل سيرنا ولا نسمع سوى صوت يخيفنا.
يتجلى لنا الجمال على كرسي مجده فنقترب منه وباسم الشوق ندنس أذياله
ونخلع عنه تاج طهره.يمر بنا الحب مكتسيآ ثوب الوداعه فنخافه ونختبئ في
مغاور الظلمه أو نتبعه ونفعل باسمه الشرور.والحكيم بيننا يحمله نيرا ثقيلآ وهو
ألطف من أنفاس الأزهار من نسيمات لبنان.تقف الحكمه في منعطفات الشوارع
وتنادينا على رؤوس الأشهاد فنحسبها بطلآ ونحتقر متبعيها.تدعونا الحريه الى
مائدتها لنلتذ بخمرها وأطعمتها فنذهب ونشره فتصير تلك المائده مسرحآ للابتذال
ومالآ لاحتقار الذات.تمد الطبيعه نحوها يد الولاء وتطلب منا أن نتمتع بجمالها
فنخشى سكينتها ونلتجئ الى المدينه وهناك نتكاثر بعضنا على بعض كقطيع رأى
ذئبآ خاطفآ.تزورنا الحقيقه منقاده بابتسامة طفل أو قبلة محبوبه فنوصد دونها
أبواب عواطفنا ونغادرها كمجرم دنس.القلب البشري يستنجد بنا والنفس تنادينا
ونحن أشد صممآ من الجماد لا نعي ولا نفهم.واذا ما سمع أحد صراخ قلبه
ونداء نفسه قلنا هذا ذو جنة وتبرأنا منه.
هكذا تمر الليالي ونحن غافلون وتصافحنا الأيام ونحن خائفون من الليالي والأيام
نقترب من التراب والآلهه تنتمي الينا ونمر على خبز الحياة والمجاعه تتغذى من
قوانا.فما أحب الحياة الينا وما أبعدنا عن الحياة...!
جبران خليل جبران